الثلاثاء، 23 مارس 2010

أنفاس


بقلم الشاعر الليبي: مفتاح العماري

( في جوف الغيمة القاتمة

بذرة قمر

تُزهر بعيداَ

عن شرفات الشتاء )

أنفاس: عنوان لإشارة أخرى في خارطة الشعر الليبي الأكثر جِدّة وتنوّعاً .. يرتفع طوقها البهيّ من ذرى الجبل الأخضر ليعبر عن أصالة شعرية يتقدمها طموح المغامرة والتفرد. فها هو ذا الشاعر الفتيّ :مفتاح ميلود. الذي يعد من بين الأصوات الشعرية الأبرز في جيله , ينجز بهدوء أولى بواكير شعره, مقترحاً لنصّه تشكيلات لغوية من خامات نثرية خالصة تلامس بخفة ونعومة جوهر العلاقة بين شعرية النثر والعلم على نحو يتعذر فيه العثور على أيّة إيقاعات من سلالة القافية . غير أننا نقف بإجلال إزاء ذلك النغم المندس الذي يستمد رنيمه السحريّ من روح الكائنات الكامنة داخل نسيج من الكلمات الحارة والمعاني المطروحة في الطريق , فيما تستسلم عناصر الطبيعة ومخلوقاتها لآلة المخيلة الجامحة التي تضرم النار في حقول التوق , وفي الآن عينه تضيف حواس مبتكرة إلى مناطق القصيدة , حواس مستنفرة لإيقاظ الجوامد واكتشاف أسماء وأشياء غاية في البداهة .. وكأن هذا الشاعر الشابّ وهو يكتب قصيدته يرسم رقىً من رموز وعلامات وألوان لكي يختزل متاهة الكنز الضائع بخطى الحدس الشعري التي كما يبدو تحاول أن تكون واثقة وهي تتقدم برسوخ متمهل لا تعوزه حيلة اقتفاء أشد المفردات ضراوة لترويض وحشية النثر داخل عائلة الشعر.

من هنا كان لابد أن يرضخ ثقل العالم محمولاً بخفة أنفاس الشعر على أجنحة من سلالة النثر . ولعل هذه العرفانية المضمرة بإعجاز الدلالات وبلاغة الصورة النسيجية المتشابكة كانت تتحصن بصوفية الشعر للحلول في الموجودات وتأنيث صلابة الخارج وأنسنة البرّي بغية الوصول إلى تلك القرابة الروحية في أعلى درجاتها تجلياً ومعرفة حين تتسع بضع كلمات لإيواء الجمال المقدس. وأيضاً لتؤكد بثقة عالية استمرارية التجديد والتمرد الذي تشي به مغامرة قصيدة النثر في التجربة الشعرية الليبية المعاصرة.

عن كتاب : عتبة لنثر العالم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق